المطلب الثاني / شـــرط المــيعاد :
طبقا لنص المادة 413 فقرة 02 من ق .ا.م فإنه لا تقبل دعاوى الحيازة، و من بينها دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض كما نصت المادة 817 فق 01 من القانون المدني أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك .
و بناءا عليه فانه يجب أن ترفع دعاوى الحيازة خلال مدة سنة من وقت الاعتداء على الحيازة أو بدء الأعمال التي تثير احتمال الاعتداء عليها (*) لأن التراخي في رفع هذه الدعوى طوال هذه المدة يفترض أن التعرض ليس خطيرا بحيث يخل بالأمن و السلام ، فضلا عن رضا الحائز بذلك الوضع ، و في حالة رفع هذه الدعوى بعد فوات ميعاد السنة يحكم بعدم قبولها (*) ، و لو لم تنشأ حيازة جديدة لمصلحة الغير ، و في حالة نشوء حيازة قانونية لهذا الأخير ، فإنه يتمتع بالحماية القانونية حتى في مواجهة الحائز السابق .
و يلاحظ أنه لا ارتباط بين هذا الشرط و شرط استمرار الحيازة لمدة سنة و الذي ينبغي توفره كي تصبح الحيازة قانونية ، و يؤدي تخلفه إلى رفض دعوى الحيازة من حيث الموضوع (1) .
غير أن السؤال الذي استوقفنا و نحن نتحدث عن شروط قبول دعاوى الحيازة وجعلنا نبحث عن إجابة له هو هل أن الحق في رفع دعاوى الحيازة هو حق مطلق متى توافرت الحيازة على شروطها و أركانها و استوفت وسيلة حمايتها شرط الميعاد ، أم أنه حق مقيد بوجود سند قانوني يبرر هذه الحيازة ؟
إن طرحنا هكذا سؤال إنما مرده الإشكالات و الاختلافات العملية و المثارة بشأن شهادة الحيازة و علاقتها بممارسة دعاوى الحيازة الثلاث ، و هو ما تم طرحه بحدة على صعيد التطبيقات القضائية ، و لعل سبب ذلك هو نص المادة 39 من القانون رقم 90/25 المتضمن ق.ت.ع التي جاء فيها ( يجب على كل حائز لملك عقاري أو شاغل إياه أن يكون لديه سند قانوني يبرر هذه الحيازة أو هذا الشغل ) بموجب هذه المادة أضاف المشرع شرطا جديدا لم يكن منصوصا عليه في القانون المدني .
و التساؤول المطروح بهذا الصدد هل يعتبر هذا الشرط قبليا يجب أن يتوفر في كل من يرفع دعوى حيازة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية ، و القانون المدني ؟
لقد انقسم الرأي بصدد هذه المسألة القانونية إلى اتجاهين (2) :
أ / الاتجاه الأول : لابد من أن يستظهر رافع دعوى الحيازة بشهادة الحيازة،و ذلك استنادا إلى نص المادة المذكورة سابقا ، و الذي ورد بصيغة الوجوب ، و من ثم فإن السند الحيازي يعتبر قيدا على رفع الدعوى إذ لا يمكن اللجوء إلى القضاء إلا باستيفائه (1) .
بينما هناك من يعتبرها تتعلق بشروط قبول الدعوى و تحديدا شرط الصفة (*) ،و لذلك فالبعض يرى أن ما جاء به ق.ت.ع بهذا الصدد هي أحكام كادت أن تؤدي إلى القضاء على أحكام الحيازة التقليدية (2) .
ب / الاتجاه الثاني : يرى القائلون به أنه لا حاجة لرافع دعاوى الحيازة لأن يثبت وضع اليد بشهادة الحيازة كونها مجرد وثيقة إدارية شرعت فقط من أجل تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلاحية و تمتيع صاحبها ببعض الحقوق و الامتيازات التي لا تخول إلا للمالك ، زد على ذلك أن المشرع نفسه مازال يعترف بالحائز الظاهر الذي لا يملك شهادة الحيازة، و هو ما يتجلى من خلال نص المادة 51 من القانون رقم 90/25 المتعلق بالتوجيه العقاري التي نصت على الإجراءات التي تسلط على المستثمر الذي يثبت قانونا عدم استغلاله للأراضي الفلاحية و من ثم لا يمكن اعتبار شهادة الحيازة قيدا على رفع الدعوى التي تبقى خاضعة في رفعها لقانون الإجراءات المدنية (1) .
و بالتالي فشهادة الحيازة كوثيقة إدارية لم تفض على أحكام الحيازة التقليدية المنصوص عليها في كل من القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية كما حاول البعض الذهاب إليه و الذي اعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة بأنواعها الثلاث (2) .
و هو الرأي (*) الذي تبنته الغرفة العقارية للمحكمة العليا في القرار رقم 914-181 المؤرخ في 28/10/1998 - غير منشور- و الذي جاء فيه ( حيث و من جهة أخرى فان قضاة الاستئناف و لتأسيس قرارهم استخلصوا من أفعال القضية و خاصة من شهادة الاستغلال الفلاحي .... و محضر سماع الشهود المؤرخ في 15/11/1994 بأن هذا الأخير يثبت بسند قانوني الحيازة طبقا للمادة 30 من القانون رقم 90/25 المؤرخ 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري حيث و بالفصل هكذا فإن قضاة الاستئناف قد طبقوا القانون تطبيقا سليما .
أما عن رأينا فإننا نرجح الاتجاه الثاني، أي ما ذهبت إليه الغرفة العقارية،و تأسيسنا في ذلك هو الأتي بيانه :
1- إن الهدف المتوخى من دعاوى الحيازة هو حماية المركز الواقعي للحائز بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، و عليه فان الشروط التي أضافها المرسوم التنفيذي رقم 91/254 بموجب نص المادة 02 منه، و التي فصلت تلك المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 90/25 تتنافى و الهدف المتوخى من الحماية القانونية المقررة للحيازة لا سيما ما يتعلق منها بالشروط الواجب توافرها في العقار المحوز ، و التي سنعالجها كالأتي :
الشرط الأول / أن تكون الأرض ملك خاص : إن هذا الشرط لا يستقيم و مجال الحيازة بمفهومها العام على النحو المشار إليه آنفا و الذي نتناوله بأكثر تفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل، إذ ينطوي على تضييق في مجالها و هو ما ينعكس على نطاق الحماية المقررة لها .
الشرط الثاني / أن يقع العقار في منطقة مسوحة: كون أن عملية المسح تؤدي إلى تشخيص الممتلكات العقارية، و من ثم فلا يتصور تسليم شهادة الحيازة بعد إتمام هذه العملية، بينما تظل الحيازة بمفهومها العام و بما كرس لها ما وسائل لحمايتها قائمة .
الشرط الثالث / أراضي لم تحرر عقود ملكيتها: فحتى و إن لم يتم المسح و كان للأرض عقد ، فلا تكون محلا لتسلم شهادة الحيازة ، بينما و على العكس من ذلك ،و بالنسبة لدعاوى الحيازة فإنه يتمسك بها حتى في مواجهة المالك نفسه ،لقيام ذلك على افتراض مفاده أن من يحوز الأرض هو مالكها،وأن الحيازة تنصب على العقار سواء كان مملوك للغير أو غير مملوك له .
و إذن فإن الشروط المضافة على النحو السابق بيانه تؤكد أن الهدف المتوخى من الحيازة بمفهوم قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 و كذا المرسوم التنفيذي 91/254 غير ذلك المقصود من المفهوم العام للحيازة ، و هو ما يثبت أن شهادة الحيازة قررت لتشجيع الاستثمار ، و خدمة التنمية الاقتصادية و جعلها كضمانة قانونية للحائز.
2- شهادة الحيازة جاءت بموجب المادة 39 من القانون السالف ذكره من أجل معالجة مرحلة انتقالية ووضع راهن تبنى فيه المشرع نظام الشهر العيني بصورة متذبذبة خاصة و أن عمليات المسح لم تشمل سوى جزء يسير من الأراضي ، بينما تلك التي لم يتم مسحها فتحرر بشأنها شهادة الحيازة ، في انتظار تصفية الوضعية العقارية نهائيا ، وتكريس الحاصلين عليها كملاك بعد المسح ، و من ثم الحكم بموتها بانعدام الوضع المقررة من أجله ، فالمشرع بتبنيه نظام الشهر العيني وقع في تناقض مع أحكام القانون المدني و التي نقلت عن القانون المدني المصري الذي تبنى نظام الشهر الشخصي .
3- المادة 02 من المرسوم السابق الإشارة إليه اشترطت دوام الحيازة سنة كاملة للاستفادة من شهادة الحيازة ، و هي المدة نفسها المشترطة في استمرار الحيازة المحمية قانونا كمبدأ عام مع ورود استثناء عليه فيما يخص مدة الحيازة المحمية بدعوى الاسترداد،و هو ما يؤكد مرة أخرى اختلاف الهدف الذي قررت شهادة الحيازة من أجله عن ذلك المتوخى من الحيازة كمفهوم عام و الذي ينصب أساسا على حماية الأوضاع الظاهرة و الحفاظ على السكينة والأمن العامين.
(*) القرار رقم 57979 ،المؤرخ في 27/12/1989 ،مج قض 1993 ،عدد 3 ،ص27 و الذي جاء فيه ( من المقرر قانونا أنه لا تقبل دعوى الحيازة ودعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض ...فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون ) .
(*) القرار رقم 37900 ،المؤرخ في 17/12/1986 ،تطبيقات قضائية في المادة العقارية ،مديرية الشؤون المدنية ،1995 ص73 ،جاء فيه : أن دعوى الحيازة لم تجاوز الأجل القانوني المحدد رفعها ،و من ثم عدم قبول دعاوى الحيازة إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض .
(1) بوبشير محند أمقران ،المرجع السابق ،ص 101 منه .
(2) حمدي باشا عمر ،المرجع السابق ،ص167 و168 منه .
(1) محمد بن رقية ،شهادة الحيازة ،محاضرة ألقيت على قضاة التكوين المتخصص في القانون العقاري ،الدفعة الأولى ،السنة الأكاديمية 2000/2001 .
(*) الحكم الصادر عن محكمة قايس القسم العقاري مجلس قضاء خنشلة بتاريخ 21/02/2000 تحت رقم 94/99 جاء فيه : ( حيث أن المدعي لم يقدم ما يثبت حيازته للقطعة الفلاحية مما حصل معه عدم قيام صفة المدعي في النزاع، حيث أنه و طبقا لنص المادة 30 من الق رقم 90/25 فانه يجب على كل حائز لملك عقاري أو شاغل له أن يكون له سند قانوني يبرر هذه الحيازة أو هذا الشغل حيث أنه و الحالة هذه فان المدعي لا يحوز الصفة مما يتعين معه عدم قبول الدعوى شكلا عملا بأحكام المادة 459 من الق.ا.م) .
(2) عبد الرحمان ملزي الحيازة ، المصدر السابق .
(1) حمدي باشا ،عمر ،المرجع السابق ،ص167- 168 .
(2) حمدي باشا ،عمر،المنازعات العقارية ،الجزائر ،دار هومه ، 2002 ،ص 260 و261 منه .
(*) و هو الجاري به العمل على مستوى محكمة سعيدة القسم العقاري .
المبحث الثاني :
خصائص دعاوى الحيازة :
المطلب الأول : حماية الحيازة لذاتها :
لما كان وضع اليد هو سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء المادية فهو المظهر المادي للملكية و لهذا كان وضع اليد شبيها في الظاهر بالملكية، بل كثيرا ما يختلط بها مع أن وضع اليد على العقار يختلف عن ملكيته من الوجهة القانونية إذ تعرف الحيازة بأنها وضع اليد على العقار و السيطرة عليه سيطرة فعلية و استقلاله و السيطرة المادية تكون بمباشرة أعمال مادية مما يقوم عادة بها المالك على النحو الذي تقتضيه طبيعة هذا الحق و تكسب الحيازة ملكية العقار أو الحق العيني عليه بمضي مدة معينة مقترنة بينية التملك فهي واقعة مادية تحدث آثار قانونية و تؤدي إلى اكتساب الحق .
أما الملكية فهي حق تخول للمالك أن يسيطر سيطرة قانونية على الشيء محل الحق فيستأثر به فيتمكن من التصرف فيه و استعماله و استغلاله و الملكية باعتبارها حق فهي لا تثبث إلا بناء على سبب من أسباب كسب الملكية التي حددها القانون كالعقد و الوصية و الميراث و الحيازة ..الخ .
و يحمي القانون الحيازة في ذاتها و لو كان الحائز غير مالك و ذلك لغايات معينة ،ووسيلة لحماية الحيازة هي الدعاوى التي ننظر فيها إن كان حائز مالكا للحق الذي يحوز أو لا يملكه فالحائز لأرض تحميه دعاوى الحيازة و لا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوى إلا أن يثبت حيازته لأرض بالشروط الواجب توفرها في الحيازة ،فلا يطلب منه أن يثبت أنه مالك للأرض فالملكية تكون محل لدعوى الاستحقاق ،و من هنا يبرز الفرق بين الحيازة و الملكية من حيث وسيلة الحماية و من حيث الإثبات فإذا تم التعرض للحيازة فاللمعتدى عليه استعمال دعوى منع التعرض ،و إذا لم تتعرض حيازته لاعتداء أو التهديد و لكنها توشك أن تتعرض لذلك من جراء أعمال بدئ بها و لم تتم فإنه يستطيع رفع دعوى لوقف الأعمال الجديدة، و إذا انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة فله أن يستردها بدعوى استرداد الحيازة بشرط أن يثبت حيازته للعقار بوسائل إثبات تمتاز باليسر على خلاف دعوى الملكية التي تمتز بإجراءات طويلة و معقدة و طرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة .
و نفس الشيء يقال في الحقوق الأخرى التي تكون محلا للحيازة، فدعاوى الحيازة تحمي حائز حق الانتفاع أو الإرفاق و الاستعمال .
و عليه فإن القانون يحمي الحائز ما دام أثبت وقت الاعتداء أن حيازته كانت حيازة مادية بمعنى أن يد الحائز كانت متصلة بالعقار و اتصالا فعليا حيث كان العقار تحت تصرفه المباشر و يجب أن يكون اتصال الحائز بالعقار قائما وقت وقوع الاعتداء (1) .
- و العلة في حماية الحيازة ترد إلى اعتباريين :
1/ حماية المصلحة الخاصة للحائز و التي تظهر في عنصريين :
أ- أن الحيازة قرينة على الحق :
نظرا لكون الحائز الغالب هو نفسه صاحب الحق، فإن الحائز لحق يقترض أنه صاحب لهذا الحق حتى يثبت العكس ، فقل أن يوجد مالك لا يحوز ملكه بنفسه أو بواسطة غيره إذ يفترض قانونا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة، و من ذلك كانت الحيازة قرينة على الملكية و لكنها قرينة قابلة لإثبات العكس (2) . فحماية الحيازة في ذاتها إنما هي حماية للملكية و لكنها حماية مؤقتة إلى أن يقوم الدليل على أن الحائز لا يملك المال الذي في حيازته .
ب – إن حيازة ممارسة فعلية للحق : إن الحيازة بمعنى السيطرة الفعلية على شيء هي وسيلة ممارسة صاحب الحق لسلطاته عليه، و حرمانه من الحيازة يعني حرمانه من مزايا حقه فحيازة المستأجر ضرورية لممارسة حقه في الانتفاع بها .
ج – الحيازة وسيلة اكتساب الحق : حتى في الحالات التي لا يستند فيها الحائز إلى الحق فإن الحاجة إلى الاستقرار أدت بالمشرع إلى جعل الحيازة متى استوفت شروطها معنية سببا لاكتساب الحق العيني على العقار .
2/ حماية المصلحة العامة :
تعتبر حماية الحيازة حماية للأمن و النظام العام في المجتمع فيعد اغتصاب الحقوق غير شرعي و لو تم ذلك من صاحبها ،لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه و الذي يترتب عنه الفوضى، و لذلك يتعين حماية حيازة الحائز ضد تعرض الغير حتى و لو كان هدا الأخير صاحب الحق، إذ لهذا الأخير اللجوء إلى القضاء لحماية حقه عن طريق دعوى الحق (3)
(1) محاضرات الأستاذ زودة عمر
(2) د. عبد الرزاق السنهوري ،نفس المرجع السابق ،ص 790 .
(3) قانون إ ح م بوشير محمد أمقران ديوان المطبوعات الجامعية ص 91،92
الجزء الثالث
المطلب الثاني : حماية العقار دون المنقول :
تنصب دعاوى الحيازة على حماية العقار دون المنقول ،إذ يمكن لحائز رفع دعاوى الحيازة كمنع التعرض و استرداد الحيازة و وقف الأعمال الجديدة ،إذا كان محلها عقار خلافا للمنقول الذي تحميه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية و كذا في حيازة الثمار .
فالمنقول لا يحمى بدعاوى الحيازة ،و كذا المجموع من المال كالتركة فالحائز لمجموع من المال كالوارث إنما يحمي في حيازته لعقار معين من هذا المجموع و لا يحمي في حيازته لمجموع المال ذاته إذ المجموع من المال لا يقبل الحيازة (1) . و إلى جانب العقارات تحمي دعاوى الحيازة أيضا الحقوق العينية و على ذلك نتعرض لحيازة العقارات بأنواعها و لحيازة الحقوق على العقارات التي لا تجوز فيها الحيازة.
1 / الحيازة في العقارات :
بدأت الحيازة في القانون الروماني سيطرة فعلية يباشرها الحائز على شيء مادي على اعتبار أنه مالك لهذا الشيء، فيحرزه إحرازا ماديا و يباشر عليه سلطة المالك فكانت الحازة على ضد النحو استعمالا لحق الملكية على الشيء مادي ،و لما كان حق الملكية عند الرومان يختلط بالشيء المادي فقد كان الرومان يصورون الحيازة على أنها تقع على الشيء المادي ذاته يتصرف فيه الحائز تصرف المالك فيستعمله و يستغله و يتصرف فيه
و يستهلكه، فكانت الحيازة سلطة مادية محضة لا ننطبق إلا على الأشياء المادية.
و من ضمن هذه الأشياء و المحمية بدعاوى الحيازة العقارات على أن يكون هذا العقار معنيا بالذات .
و العقار هو كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول. فكل مالا يدخل ضمن العقار بالمفهوم الوارد في 683 من القانون المدني فهو منقو و الغاية من ذلك أن المنقولات متعددة و لا يمكن حصرها لذا عرف العقار دون المنقول .
و تنقسم العقارات إلى نوعين العقارات بالطبيعة و العقارات بالتخصيص ،و تشمل العقارات بالطبيعة الأراضي بما فيها الزراعية و المعدة للزراعة الصحراوية و الجبلية المعدة للبناءو ما تحت الأرض كالآبار وما في باطنها كالمناجم و ما فوقها من أبنية و أشجار و نباتات ،أما العقارات بالتخصيص فهو في الأصل منقول وضعه وصفه صاحب العقار و خصصه لخدمة هذا العقار أما استغلاله يشرط أن يكون مالك العقار و المنقول شخص واحد و أن يرصد هذا المنقول لخدمة العقار و عندما يغير المنقول بطبيعته عقارا بالتخصيص فيأخذ حكم العقار على اقتراض أنه هو نفسه عقار و تسري عليه أحكام العقار ،بمجرد انتهاء التخصيص عود للعقار بالتخصيص صفته الأصلية كمنقول بطبيعته.
و في حالة وضع اليد على عقار من غير المالك باعتبار أنه المالك فيجوز لواضع اليد هذا أن يرصد منقولا يملكه على خدمة هذا العقار و يصبح المنقول عقارا بالتخصيص و لكن إذا يسترد المالك الحقيقي العقار فإنه يسترده وحده لمنقول الذي رصد (1) لخدمته و يأخذ صاحب المنقول منقوله (2) و عليه فإن حيازة الشيء تفترض حيازة توابعه مالم يثبت العكس .و من ثم فإن الحيازة المكسبة للملكية ترد على العقار بطبيعته و كذلك على العقار بالتخصيص بشرط أن تكون العقارات المراد إكتساب ملكيتها بالحيازة من العقارات التي تخضع للحيازة و أن تكون قابلة للتعامل فيها .
- الحيازة في الأملاك الوطنية :
لقد مرت الأملاك الوطنية في الجزائر بعدة مراحل بداية من المرحلة التي امتازت فيها الأملاك الوطنية بفكرة وحدة الأملاك العامة التي تبناها المشروع خلال الفترة الاشتراكية ثم جاء دستور 23 فبراير 1989 و كرس من جديد النظرية التقليدية المبنية على التفرقة بين الأملاك العمومية التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة و الأملاك الخاصة التي تمتلكها الدولة و الجماعات المحلية لتحقيق أغراض امتلاكية بحثة ،و ذلك بموجب المادتين 17 و18 منه
و هي نفس هذا التوجيه صدر قانون التوجيه العقاري رقم 25190 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 و كرس ضده المبادئ في المواد 24،25،26 منه ثم صدر قانون الأملاك الوطنية 90/30 المؤرخ في 1/ديسمبر/1990 ليحدد الأملاك الوطنية و نظامها.
و لعل أكثر ما يهمنا في البحث هو مسألة مدى جواز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بصنفيها و ما هي أهم الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الشأن بعد أن نتناول كل الأملاك الوطنية العمومية و الأملاك الوطنية الخاصة.
أ- حيازة الأملاك الوطنية العمومية :
هناك بعض العقارات ترد عليها الحيازة المكسبة للملكية، ذلك إن كانت خارجة عن دائرة التعامل و لا يمكن أن تكون بحكم طبيعتها أو بحكم تخصيصها محلا للتصرفات القانونية كالعقارات التي يشترك النوع الإنساني في الانتفاع بها انتفاعا مطلقا و يستحيل على أي فرد أن يختص بها بطبيعته.
و العقارات العامة هي عقارات الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة و المخصصة لمنفعة عامة، و لقد حرم القانون تملك العقارات العامة بوضع اليد حيث تنص المادة 689 قانون مدني :" لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم"
و في ها الإطار صدر القرار رقم73271 المؤرخ في 21/أكتوبر/1990 مجلة قضائية رقم 92 ص 24 جاء فيه
حيث أن الطاعنين يزعمون أنهم تحصلوا على القطع المتنازع فيها عن طريق الحيازة لأنهم يشغلون تلك الأراضي بصفة هادئة و مستمرة منذ أوائل 1960 .
حيث يتبين من القرير المعد من طرف مصالح أملاك الدولة أن أملاك الدولة غير قابلة للتصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم و بالتالي لا يمكن الحصول على ملكيتها من طرف الطاعنين عن طريق الحيازة كما تنص عليه المادة 827 من القانون المدني .
حيث أن الأمر يتعلق بشاغلين بصفة غير قانونية لأراضي مملوكة للدولة فيمكن للطاعنين الاستفادة من المرسوم 85-212 المؤرخ في 18 أوت 1985 كي يتحصلوا على تسوية وضعيتهم).
لكن هذا لا يمنع من أن الدولة و المجموعات المحلية تستطيع استعمال دعاوى الحيازة لحماية أملاك الدومين العام ،و عليه إذا كان العقار داخلا في الدومين العام فإنه لا يكون في الأصل قابلا للحيازة و كان ينعى أن لا يكون هناك مجال في شأنه لدعاوى الحيازة ،و لكن القضاء في فرنسا جرى على حماية الشخص العام في حيازته للعقار الداخل في الدومين العام ضد أعمال التعرض و الاغتصاب الصادر من الغير ،بل أنه يحمي كل من حصل من الأفراد على ترخيص قي الانتفاع بالعقار الداخل في الدومين العام في حيازته لهذا العقار بجميع دعاوى الحيازة ضد الغير فيما عدا الجهة الإدارية التي منحته الترخيص (1) .
و من ذلك ما نصت عليه المادة 171 من المرسوم 91 -454 بأنه يحق للمؤسسات العمومية المكلفة من طرف الدولة بتسير مرافق عامة أو أداء مهمة منفعة عمومية أن ترفع دعاوى الملكية و الحيازة لحماية الأملاك الوطنية العمومية التي تشغلها في حالة تعرضها لاعتداء من طرف الغير .
و في هذا الإطار جاء القرار رقم 181645 المؤرخ في 24/06/1998 بأنه:
" من المقرر قانونا أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك و لما تبين من قضية الحال أن الحيازة ثابتة منذ عهد الاستعمار و إن ما بين فوقها كان يرخصه من المصالح البلدية دون أية منازعة ك حيازتها و في استصلاحها و غرسها و لما قرر قضاة المجلس بأن الحيازة لا تجدر في الأملاك التابعة لدولة فإن هذا التأسيس خاطىء لأنه لا يوجد أي نص قانوني يتحدث على منع الحيازة في الأملاك العقارية التابعة للدولة التي تمنح للأشخاص بموجب شهادة إدارية من أجل استغلالها و الانتفاع بها مما يستوجب نقص القرار
المطعون فيه " .
ب / حيازة الأملاك الوطنية الخاصة:
و هي العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى ملكية خاصة و لم تخص للمنفعة العامة و يكون التصرف فيها كتصرف ال أموالهم الخاصة و تمنع هذه العقارات بوجب عام لأحكام الملكية شأنها بذلك شأن العقارات المملوكة للأفراد تحق الدولة و العقارات الخاصة ضد حق ملكية مدنية محضة ،أسباب كسب ملكية العقار الخاص حددها المشروع في القانون
90/30 على سبل الحصر وصه التعاقد سواء طبق القانون المدني أو القانون الإداري من خلال ق ص ع عن طريق الأملاك الشاغرة و اكتشاف الكنوز و الهبات ...الخ
و في هذا الاطار سوف تتعرض لبعض القرار رقم 271-73ل 21/10/90 م ق 92 ص 4 *
الأمثلة عن الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة من ذلك أراضي العرش و المستثمرات الفلاحية في إطار القانون 87/19 و القانون 83/18 المتعلق بالاستصلاح.
1/ حيازة أراضي العرش :
أراضي العرش هي تلك الأراضي التي منحت من قبل الدايات الأتراك للقبائل و العروش الذين كانوا موالين لهم على سبيل الانتفاع الجماعي أما عن كيفية الانتفاع فكان كل فرد من أفراد القبيلة له الحق في الاقتناء بالمساحة التي يستطيع استغلالها و خدمتها مع ظفر عملية الإيجار أو الأرض أو البيع أو القسمة و في حالة عدم استغلالها و شراها بورا يحق استرجاعها و إعادة منحها من قبل القبيلة إلى من يتعهد بخدمتها و استغلالها و هذا الاستغلال يعطي للمستغل حق رضي التجار و تملكها و لقد مرت هذه الأراضي بعدة تطورات عبر مراحل زمنية مختلفة إلى غاية الاستغلال تميزت فيها المرحلة الاستعمارية بإصدار عدة قوانين بقصد تمكين الحائزين لهذه الأراضي من تملكها بقصد تمكين المعمرين كما يعد شرائها في إطار سياسة الاستيطان الاستعمارية غير أن نقل ملكية هذه الأراضي لحائزها لم تتم (1) .
أما فترة الاستقلال فأهم ما ميزها هو صدور القانون رقم 90/25/ المؤرخ في 18/11/90 المتعلق بقانون التوجيه العقاري الذي صنف الملكية العقارية إلى أملاك وطنية و أملاك خاصة و أملاك وقفية و بموجب م /85 المعدلة بموجب الأمر 95/26 ل 25/09/1995 اعتبرت أراضي العرش ملك للدولة إذ نصت على أنه تبقى ملكا لدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية بمقتضى الأمر رقم 71/73 ل 8/11/71 و ذلك وقفا للمادة 18 من القانون رقم 900-30 ل 1/12/90 و المتضمن قانون الأملاك الوطنية و في مجال حيازة هذا النوع من الأراضي ضد ما جاء في القرار رقم 196049 المؤرخ في 26/04/2000 الذي كرس الحيازة على أراضي العرش حيث جاء فيه : (حيث أن القضاة المجلس اعتبروا أن الأراضي المتنازع عليها أرض عرش من أملاك الدولة و بالتالي لا يمكن الإدعاء بحيازتها لكن حيث يتبين من عناصر الملف أن المدعية المستأنف عليها لم تتمسك بالحيازة اتجاه الدولة مالكة الأرض بل تمسكت لحيازتها اتجاه التغير الذي حسب مزاعمها تعرضوا لحماية حيازتها بدون وجه حق و حيث أن الدولة ليست طرفا في الدعوى الحالية و لا تنازع المدعية في حيازتها حيث كان على قضاة المجلس أن يطبقوا مقتضيات المادة 822 من القانون المدني و أن يفصلوا من الذي له الحيازة المادية أن من الذي له وثائق تثبت حيازته الحالية و المادية على الأراضي) و هذا عكس المادة 4 من القانون 90/30 المتضمن الأملاك الوطنية التي لم تقر الحماية التقليدية للأموال عدم القابلية للتصرف ،عدم الحجز ،عدم جواز التمسك بالتقادم إلا على الأملاك الوطنية العمومية .
و ما دام أن أراضي العرش تصنف ضمن خانة الأملاك الوطنية الخاصة فبنتيجة فهي لا تخضع لقواعد الحماية المذكورة و بالتالي يجوز التمسك بحيازتها حتى في مواجهة الدولة نفسها (1)
2/ الحيازة في المستثمرات الفلاحية :
و هذا النوع من المستثمرات تم إحداثه بموجب القانون 87/19 و هي في الأصل أملاك وطنية خاصة تم إحداثها بقصد استغلالها في إطار تكريس المحافظة على الأراضي المختصة في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية كالقمح و الشعير و غيره و يتم استغلالها بصورة جماعية كقاعدة عامة،على أنه يجوز أن يتم استغلالها بصفة فردية .
و المستثمرة الفلاحية هي إصلاح اقتصادي تعني وحدة ترابية مسيرة مستغلة طيلة السنة من طرف شخص أو عدة أشخاص، تنظم وسائل الإنتاج و ذلك لخدمة الإنتاج الفلاحي قانونا تكون ملكا للشخص الذي يستغلها أو للغير (2)
و يصبح للمستثمرة الفلاحية الجماعية وجود قانوني عند نشر العقد الإداري في سجل الحفظ العقاري، و يترتب على ذلك أن حق الانتفاع يكون ملك لأعضاء المستمرة في حين أن الملكية الرقبة تكون للدولة. و يمتاز حق الانتفاع هذا عن حق الانتفاع وقفا للقواعد العامة إذا يخول لأعضاء المستمرة اكتساب بعض الحقوق و ترتيب عليهم بعض الالتزامات المغايرة و التي تخرج عن القواعد العامة في المقررة في حق الانتفاع، إذ من شأنه أن يخول لهم حق انتفاع دائم ينتقل للورثة ضمن شروط معينة أقرها القانون 87/19 على خلاف حق الانتفاع العادي الذي ينتهي بوفاة المنتفع. كما يخول لأعضاء المستمرة ممارسة بعض الدعوي التي ترمي إلى حماية حيازتهم لحق الانتفاع الدائم و من ذلك ما جاء في القرار رقم 195.240 المؤرخ في 26/أفريل/2000 م ق 2000 عدد 01 ص 161 ( انه من كانت المستمرة الفلاحية تتمتع بالشخصية المعنوية كشركة مدنية طبقا للمادة 13 من القانون 87/19 فإنه يحق لها ممارسة الدعاوي الرامية إلى حماية حق الانتفاع الدائم على الأراضي التابعة ملكيتها للدولة و بالتالي فلا مانع من تمسك القاضي المدني باختصاصه في هذا المجال ) .
و عليه يتضح أن ملكية أعضاء المستمرة تقتصر على حق الانتفاع الدائم دون ملكية الأرض التي تبق ملك للدولة .
3- الحيازة في الأراضي المستصلحة :
يعد الاستصلاح سبب من الأسباب كسب الملكية العقارية في التشريع الجزائري، و قد جاء التنصيص عليه في المرسوم 83/18 المؤرخ في 13/أوت/1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية .
و يقصد بالاستصلاح بمفهوم القانون 83/18 كل عمل من شأنه جعل أراضي قابلة للفلاحة صالحة للاستغلال، و يمكن أن تنصب هذه الأعمال على أشغال تعبئة المياه و التهيئة و تنقية الأراضي و التجهيز و السقي و التخفيض و الغراسة و المحافظة على التربة قصد إخصابها
و زرعها .
و يتم الاستصلاح في الأراضي التابعة للدولة و الواقعة في المناطق الصحراوية أو المنطوية على مميزات مماثلة و كذا الأراضي الأخرى الغير مخصصة و الممكن استخدامها في الفلاحة بعد الاستصلاح مع استبعاد الأراضي التي أدمجت في صندوق الثورة الزراعية .
و يعد المستصلح حائزا للأرض محل الاستصلاح خلال 5 سنوات المتعلقة بتنفيذ برنامج الاستصلاح فإن تم تنفيذه يسقط الشرط الفاسخ و تنتقل ملكية الأرض للمستصلح على خلاف ما جاء في القرار رقم 228753 المؤرخ في 24/أفريل/2002 ( إن قانون 83/18 المؤرخ في 13/أوت/83 يؤدي إلى امتلاك الأراضي للمترشح لاستصلاحها و عليه فإنه قانون ناقل للملكية يشكل عائقا لدعاوى الحيازة و سند للملكية )
4- الحيازة في الأملاك الوقفية :
وقف العقار هو حبسه عن تمليكه لأحد من العباد و صرف منفعته في وجوه البر ،وكان الوقف قبل سنة 1984 خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية، أما بعد صدور قانون الأسرة في 1984 بموجب القانون 84/11 أصبح خاضعا لأحكام قانون الأسرة الذي نظم الوقف في الفصل الثالث من الكتاب الرابع الخاص بالتبرعات و قد خضع في تنظيمه إلى عدة مراسيم
و مناشير و قوانين من ذلك القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف
و الذي عدل عدة مرات آخرها سنة 2002. و ينقسم الوقف إلى وقف عام و هو ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه كوقف أرض لحساب مستشفى، و إلى وقف خاص و هو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث أو أشخاص معنيين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم.
و في مجال حيازة الأملاك الوقفية صدر القرار رقم 99.360 المؤرخ في 13/01/1986 الذي جاء فيه: " حيث أنه لا يجوز التمسك بالتقادم في استغلال الأرض المحبسة لانعدام نية التملك "
و كنتيجة لما كل ما سبق بيانه فإنه تجدر الإشارة أن موضوع الحيازة في الأملاك الوطنية ما يزال محل خلان بين عدة فقهاء و على مستوى كل القوانين العربية فمنها من تجيز الحيازة و منها من تمنعها من ذلك الأستاذ السنهوري الذي يرى أنه لا يجوز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بنوعيها العامة و الخاصة و تشاطر في ذات الرأي الأستاذة فريدة زووي .
أما الأستاذ عمر زودة فيرى أنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية العمومية مستندا في ذلك إلى نص المادة 827 من القانون المدني،أما في الأملاك الوطنية الخاصة فإنه يفرق بين مرحلتين زمنيتين قبل سنة 1990 أي قبل صدور قانون الأملاك الوطنية فإنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة أما بعد 90 فإنه يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة و يذهب إلى أن بعد من ذلك إذ يجيز للحائر المطالبة لملكيتها بالتقادم إذ يعتبر أنه الأثر المنطقي و القانوني للحيازة في مواجهة الدولة على خلاف ما ذهبت إليه المحكمة العليا التي تجيز فقط ممارسة الحيازة أما اكتساب الملكية بالتقادم فلا تجيزه .
الحيازة في الحقوق :
سبق القول أن الحيازة في القانون الروماني كانت قاصرة على الأشياء المحسوسة من عقار و منقول، غير أن هذه الفكرة تطورت حيث أصبحت تشمل الحقوق، فأمكن تصور حيازة حق الارتفاق و حق الانتفاع وسميت هذه بشبيه الحيازة quassi passesion و ظلت هذه التفرقة قائمة في القانون الفرنسي القديم. أما القانون المدني الفرنسي الحالي فقد قضى على هذه التفرقة إذ نص عل أن الحيازة هي إحراز شيء أو استعمال حق .
و قبل الخوض في مدى ممارسة الحيازة على الحقوق نتعرض قبل كل شيء إلى تقسيمات الحقوق مع تعريفها حتى يتسنى بشكل دقيق تحديد الحقوق التي تحوز حيازتها من تلك التي لا تجوز فيها الحيازة، و لعل أبرز التقسيمات للحقوق نجد الحق العيني و الحق الشخصي .
فما المقصود بينهما ؟
يعرف الحق العيني على أنه سلطة شخص تنصب مباشرة على شيء مادي معين بحيث يستطيع صاحبه أن يباشره دون تدخل شخص آخر من ذلك حق الملكية ،و تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية لحق الملكية و الذي بدوره تتفرع عنه حقوق آخرى مثل : حقوق الانتفاع و حقوق الارتفاق و حقوق الاستعمال أو السكن (1)
و إلى حقوق عينية تبعية و هذه الأخيرة لا توجد متسقلة بل تكون تابعة لحقوق شخصية (حقوق الدائنية ) و ذلك لضمان الوفاء بها فسميت الحقوق العينية التبعية بالتأمينات العينية
و من أمثلها الرهن الرسمي و حق الاختصاص و الرهن الحيازي و حقوق الامتياز .
أما الحق الشخصي فيمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم احدهما و هو المدين قبل الآخر و هو الدائن بأداء مالي معين أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث يصبح للدائن الحق بمطالبة المدين بموضوع هذا الالتزام .و عليه يكون الحق الشخصي علاقة بين الأشخاص بينما الحق العيني هو علاقة بين الشيء و صاحبه .
فتقع الحيازة على الحق العيني و معنى ذلك أنها تقع على شيء مادي و أن الحائز يباشر سلطاته ماديا على الشيء المعين بالذات، لذلك لا يصح أن تقع الحيازة لا على المجموعات القانونية كالتركة و لا على مجموعة واقعية من المال كالمحل التجاري و إنما يصح أن تقع الحيازة على الشيء من هذه المجموعات واقع على إنفراد ،و الذي يباشر سلطاته على عين من أعيان التركة لا يمكنه ادعاء حيازة المجموعة الأعيان كما هو الحال بالنسبة للحائز على الشيوع، و ذلك لقيام الالتباس حول ما إذا كان الشريك في الشيوع يحوز لنفسه أو لحساب غيره مع الشركاء و على الشيوع. و الأصل أن يكون محل الحيازة حقا عينيا لأن هذا الحق هو الذي يخول لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء فيمكن حيازته بممارسة الأعمال التي تخولها هذه السلطة على الشيء مباشر (2)
فالحقوق العينية وحدها يمكن أن تكون محلا للحيازة ، مما يستبعد الحقوق الشخصية و الحقوق المعنوية ،فلا تجوز حيازة هذه الأخيرة لأنها ترد على الشيء غير مادي كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق التاجر على الاسم التجاري .
كما لا تجوز حيازة الحقوق الشخصية كالديون فلا تخضع للحيازة و كذا بالنسبة للمستأجر فلا يعد حائزا حقيقيا و العقد المبرم ذاته ينفي عنه هذه الصفة إذن حائز عرضي و القانون عندما أباح للمستأجر رفع دعاوى الحيازة لم يكن يعني أن الحق الشخصي يخضع للحيازة الحقيقية إنما هي حماية مؤقتة لدفع الاعتداء بدليل أن الحائز العرضي لا يكسب الحق الشخصي بالتقادم و أنه لو قام نزاع بين الحائز العرضي و من يعمل الحائز لحسابه فحل النزاع يكون على أساس العقد المبرم بينهما و ليس على أساس دعوى الحيازة (1)
و هو ما أقره المشرع الجزائري في نص المادة 487 من القانون المدني عندما حمى حيازة المستأجر على الرغم من أنها حيازة عرضية مما يفهم أنه أخد بالنظرية الشخصية و خرج عن ذلك باستثناء و أخد بالنظرية المادية عندما نص على حماية حيازة المستأجر بجميع دعاوى الحيازة .
و ما يجدر الإشارة إليه أن بعض الفقهاء يرون أن الحيازة تشمل حتى الحقوق العينية التبعية التي تستلزم حيازة الدائن للشيء المحمل بالحق كالرهن الحيازي فإذا كان الشيء المرهون عقارا غير مملوك للراهن استطاع الدائن المرتهن أن يكسب حق الرهن عليه بالتقادم الطويل أو القصير (2) على خلاف الأمر في التشريع الجزائري أين يعتبر الدائن المرتهن رهن حيازي حائز عرضي و بالتالي لا تحمى حيازته بدعاوى الحيازة. و في هذا الإطار يعد صاحب حق الانتفاع و حق الاستعمال أو السكن حائزين عرضين كونهم يحوزون لحساب الغير إلا أن حيازتهم صحيحة للحق العيني أو الحق الشخصي الذي يحوزنه و يتوافر لديهم عنصري الحيازة المادية و المعنوية بالنسبة لهذا الحق بل أنهم حائزون أصليون له و لكنهم يعتبرون حائزون عرضيون لحق الملكية، فالمنتفع حائز عرضي كون أن سنده يستدعي الاعتراف بحقوق صاحب الرقبة، و عليه فإن المنتفع ليس حائزا عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع نفسه كونه يمارس هذا الحق على أساس أنه سيد عليه مما يخول له تملكه بالتقادم (3)
و من الأمثلة على ذلك حق الانتفاع الدائم الممنوع في إطار القانون 87/19 المتعلق بكيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية إذ يعد أعضاء المستمرة ما يكن لحق انتفاع يخول لهم الاستغلال ،الإنتاج ،غير أنهم حائزون أصليون لحق الانتفاع مما يخول لهم رفع دعاوى الحيازة في حالة وقوع اعتداء من الغير فهم يحوزون لحساب الغير و هي الدولة مالكة الرقبة .
(1) د . عبد الرزاق السنهوري ،نفس المرجع السابق – ص 905 .
(1) د. عدلي أمير خالد ،تملك العقارات بوضع اليد ،دار الفكر العربي ص 157 .
(2) د. عبد الناصر توفيق العقار،إثبات الملكية بالحيلزة و الوساطة ،دار الفكر العربي ص 191 .
(1) د. عبد الرزاق السنهوري المرجع السابق ص 905 .
* الملكية النهائية و لم يصدر شيأ من قرار زمن الحاكم العام بالجزائر
(1) إن المعاملات التي تتم على هذه العقارات كانت تحت عنوان بيع واقف على شرط مع الإيجار و السبب في عدم إتمام إجراءات التمليك لأصحابها هو عدم استكمال إجراءات البحث و لمتسلم الإدارة الفرنسية لأصحابها سندات الملكية النهائية و لم يصدر بشأنها قرار الاعتماد من الحاكم العام بالجزائر .